الحركة الفنّيّة في الأرض المحتلّة... حوار مع سليمان منصور | أرشيف

سليمان منصور (1989) | موسوعة للفنّ الحديث

 

المصدر: «مجلّة البيان - الكويتيّة».

العنوان الأصليّ: «النشاط الثقافيّ في الأرض المحتلّة».

الكاتب (ة): بسّام محمّد جرّار.

زمن النشر: 1 أيلول (سبتمبر) 1976.

 


 

* الحركة الفنّيّة في الأرض المحتلّة توازي مثيلاتها في الأقطار العربيّة.

* المعارض الفنّيّة في الأرض المحتلّة تحوَّل إلى ندوات سياسيّة.

* اللوحات الفنّيّة غدت منشورات مسموحًا بها.

* الفنّان الفلسطينيّ مطالب بالتعبير عن قضيّته الوطنيّة.

* الوجوه والأزياء الفلسطينيّة كثيرًا ما تتردّد في لوحات.

 

كنت أظنّ أنّ هناك ركودًا في الحركة الفنّيّة في الأرض المحتلّة، إلّا أنّ ظنّي هذا تبدّد حينما أتيحت لي فرصة مشاهدة معرض فنّاني الأرض المحتلّة، الّذي أقيم مؤخّرًا في عمّان، واشترك فيه أحد عشر فنّانًا باثنتين وستّين لوحة، وقد عكس هذا المعرض المستوى الفنّيّ الجيّد الّذي وصلت إليه الحركة الفنّيّة في الأرض المحتلّة.

 

البداية الفنّيّة

كي نقدّم لقرّاء «البيان» فكرة أوضح عن الحركة الفنّيّة في الوطن المحتلّ، كان لنا هذا اللقاء مع واحد من أشهر فنّاني الأرض المحتلّة؛ سليمان منصور.

سليمان منصور من مواليد بير زيت في عام 1947، حصل على بكالوريوس «الفنون الجميلة» من القدس في عام 1972، وشارك في العديد من المعارض داخل الأرض المحتلّة. قال لي عن بدايته الفنّيّة: "الفنّ قبل كلّ شيء موهبة منذ الصغر، وممّا ساعد على تبلور هذه الموهبة لديّ وجود أستاذ للفنّ شجّعني كثيرًا خلال دراستي في المدرسة. في عام 1962 اشتركت في مسابقة عالميّة للأطفال في الرسم، وحصلت على الجائزة الأولى، وكان هذا بمنزلة قوّة دفع جديدة لي، أضف إلى ذلك تشجيع الأهل والأصدقاء الدائم.

 

من المعروف أنّك التحقت في عام 1968 بـ«كلّيّة الفنون الجميلة» في القدس، وهي كلّيّة تابعة لـ«الجامعة العبريّة»، فما أثر احتكاكك بالطلبة اليهود؟ وما أثر الدراسة الأكاديميّة فيك فنّانًا؟

لم أكن الطالب العربيّ الوحيد في الكلّيّة، بل كان لي زميل آخر، لكن من خلال احتكاكي بالطلبة اليهود، ومن خلال النقاش الدائم معهم، استطعنا أن نجعلهم أقرب إلى تفهّم القضيّة الفلسطينيّة على حقيقتها، وقد استفدنا من هذا الأمر، فأصبحت نظرتنا إلى الأمور أوضح وأكثر موضوعيّة، واختفى الصراخ واختفت الغوغائيّة من لوحاتي، وأصبح هناك مجال أوسع للفكر.

من ناحية فنّيّة، كان ثمّة تركيز كبير على الفنّ الحديث، لا سيّما نظريّة ’الفنّ من أجل الفنّ‘، والتركيز على المتعة الجماليّة سواءً بالنسبة لنا، أو للفنّانين اليهود. وبالنسبة للفنّان العربيّ الّذي ينضوي تحت لواء ’الفنّ للفنّ‘، فلن يجد وسيلة ملائمة لمخاطبة الجماهير، ذلك أنّها لا تمتلك ثقافة فنّيّة كبيرة، فهو لن يصل إلى ما يهمّ كلّ فنان من التأثير في الجمهور.

لا أنكر أنّني تأثّرت بهذا الاتّجاه، الفنّ للفنّ، خلال دراستي، إلّا أنّه ومن خلال لوحاتي، ازداد إيماني بأنّ ’الفنّ للفنّ‘ لا يقدّم أيّ خدمة للجماهير، لذا؛ توجّهت لمخاطبة الجماهير بلغة فنّيّة مقبولة لديهم، فنحن نعيش تحت الاحتلال، ويجب علينا أن نعبّر عن مشاكل الناس عامّة، لا سيّما مشاكل الاحتلال والقضيّة الوطنيّة.

 

هل يمكننا القول إنّ ثمّة طابعًا فلسطينيًّا في لوحات فنّاني الأرض المحتلّة عمومًا؟ وما مدى بروز هذا الطابع في لوحاتك؟

في تصوّري أنّه ليس ثمّة مدرسة أو طابع فلسطينيّ، هناك أساليب ومدارس فنّيّة متعدّدة في العالم، وكلّ فنّان يؤمن بقضيّة معيّنة عليه أن يسخّر الأسلوب أو المدرسة الّتي يرتاح إليها لخدمة قضيّته، ومعالجة مشاكل مجتمعه. أمّا إذا كنت تقصد بالطابع الفلسطينيّ سمة معيّنة، فأقول لك إنّني أعمد كثيرًا إلى رسم الوجوه الفلسطينيّة واللباس الفلسطينيّ، وكذلك رسم المعاناة والقهر اللّذين يعيشهما هذا الإنسان، وهذا في رأيي ما يميّز رسومات الفنّان الفلسطينيّ عن الفنّان الفرنسيّ مثلًا.

 

نلاحظ في لوحاتك أنّك تميل إلى استعمال اللون البنّيّ كثيرًا، لماذا؟

من ناحية لاشعوريّة، يرمز اللون البنّيّ عادةً إلى الأرض، لذلك تراني أرتاح لهذا اللون، وهو يساعدني كثيرًا في معالجة موضوع الإنسان الفلسطينيّ وارتباطه بالأرض.

 

«جبل المحامل»، واحدة من أشهر، بل أشهر لوحات سليمان منصور، وهي تقدّم رؤية كاملة لمعاناة الإنسان الفلسطينيّ، سألته عن هذه اللوحة، فقال:

في اللوحة روح سرياليّة واضحة، لذا كان استعمالي اللاشعوريّ للون الأزرق الضبابيّ، وهذا اللون يخدم بشكل عامّ الموضوع الخياليّ الّذي عالجته هذه اللوحة.

 

المعروف أنّ طباعة هذه اللوحة بالذات قد ساعدت على انتشارها بشكل جماهيريّ واسع، فما رأيك في طباعة اللوحات على هذه الشاكلة وتعميمها على الجمهور؟

أشجّع كثرًا على طباعة اللوحات، لا سيّما تلك الّتي تخدم أهدافًا نضاليّة. طباعتها تؤدّي إلى الانتشار السريع، والتأثير في الجماهير بشكل واسع جدًّا، وهذا ما يطمح إليه الفنّان. إلّا أنّ هناك بعض المحاذير على مثل هذه العمليّة، أهمّها عدم توفّر الإمكانات الطباعيّة في العالم العربيّ، الّتي تستطيع أن توفي اللوحة حقّها وتحافظ على محتواها الفنّيّ، أضف إلى ذلك إمكانات الفنّان المادّيّة القليلة الّتي لا تستطيع أن تنهض بمثل هذا العمل. كذلك يجب ألّا يكون هدف الفنّان من وراء هذا العمل تجاريًّا، بل أن يكون هدفه الأساسيّ مخاطبة الجمهور بصورة مقبولة، وأن يخدم الذوق العامّ للجمهور الّذي يجب أن يكون في ارتفاع مستمرّ، وهذا أيضًا يخدم اسم الفنّان مستقبلًا.

 

كيف بدأت الحركة الفنّيّة في الضفّة الغربيّة؟ وما سماتها العامّة؟ وإلى أين وصلت؟

من الصعب أن نحدّد بداية دقيقة للحركة الفنّيّة في الضفّة الغربيّة، لكنّنا نستطيع القول إنّ أوّل معرض أقيم في الضفّة الغربيّة كان في 1965-1966، أقامه الفنّان الفلسطينيّ إسماعيل شمّوط، وقد واجهت الحركة الفنّيّة بعض الخمود حتّى عام 1971، حين أقام الفنّان الفلسطينيّ نبيل عناني المعرض الفنّيّ الثاني في الضفّة الغربيّة. بعد ذلك توالت المعارض الفنّيّة الّتي أقامها فنّانو الأرض المحتلّة حتّى عام 1975؛ إذ شعرنا بوجوب وجود نوع من التنسيق والعمل الموحّد؛ ممّا أدّى إلى وجود نوع من التجمّع الفنّيّ لفنّاني الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وقدّمنا طلبًا للسماح لنا بإقامة «رابطة تجمّع فنّاني الأرض المحتلّة»، وبعد مماطلة استمرّت أكثر من عام، رفضت السلطات الإسرائيليّة السماح لنا بذلك، وبقينا نتحرّك من خلال تجمّع غير رسميّ، وأقمنا أوّل معرض فنّيّ مشترك اشترك فيه نحو خمسة عشر فنّانًا، وكان هذا المعرض متنقّلًا، فشمل معظم مدن الضفّة وقطاع غزّة، ولقي إقبالًا شديدًا من الجماهير.

بعدها شعرنا بأنّنا بعيدون عن التجمّعات الفنّيّة العربيّة، ففكّرنا في إقامة معارض مشتركة في البلاد العربيّة، وكان المعرض الأوّل في عمّان في مطلع أيّار الماضي، وانتقل المعرض بعد ذلك إلى مخيّم البقعة الفلسطينيّ، قرب عمّان، وقد شهد المعرض في كلٍّ من عمّان والبقعة إقبالًا شديدًا، شجّعنا على أن نواصل خطّتنا في إقامة المعارض في الوطن العربيّ. بعد هذا المعرض، أقيم معرض فنّيّ مشترك آخر في «جامعة بير زيت»، ضمن «أسبوع فلسطين»، وانتقلنا بالمعرض إلى معظم مدن الضفّة الغربيّة، إضافة إلى مدينة الناصرة، حيث اشترك معنا فنّانون من الأرض المحتلّة في عام 1948 لأوّل مرّة، وسنقيم معرضًا في لندن في أوّل آب من عام 1976.

 

هذا أوّل اتّصال لكم مع فنّاني الأرض المحتلّة في عام 1948، لماذا تأخّر هذا الاتّصال؟

قد يعود تأخّر مثل هذا اللقاء إلى جوّ من عدم الثقة كان موجودًا بيننا؛ بسبب بعض الرواسب، ومحاولة سلطات الاحتلال تنميتها، لكنّ أوّل لقاء جعلنا نشعر بأنّنا لسنا على حقّ، فنحن نعمل لنفس الهدف؛ وهو مقاومة العنصريّة الصهيونيّة، وإقامة دولة ديمقراطيّة على كامل تراب فلسطين، وسوف يزداد هذا التعاون بيننا.

 

نعود للحديث عن الحركة الفنّيّة في الضفّة الغربيّة، ما مستوى هذه الحركة مقارنة بمثيلاتها في الأقطار العربيّة؟

يوجد في الضفّة الغربيّة أكثر من عشرين فنّانًا درس معظمهم الفنّ، وهم يعالجون في رسوماتهم مواضيع تهمّ المجتمع ومقاومة الاحتلال. أعتقد أنّ مستوى الحركة الفنّيّة في الضفّة الغربيّة يوازي مثيلاتها في الأقطار العربيّة، وآمل من خلال معارضنا القادمة، واحتكاكنا مع الفنّانين العرب، أن نكتسب خبرات معيّنة ترفع مستوى الحركة الفنّيّة في الأرض المحتلّة.

 

ما المعوّقات الّتي تقف في وجه الحركة الفنّيّة؟

أهمّها هو عدم وجود دولة تتبنّى الحركة الفنّيّة وتدعمها، وتساعدنا مادّيًّا ومعنويًّا. أضف إلى ذلك ما تحاول سلطات الاحتلال إقامته من موانع. هناك دعم بسيط نتلقّاه من بعض بلديّات الضفّة الوطنيّة، وهو يتمثّل في إعطائنا قاعات للعرض ومساعدتنا مادّيًّا في نقل اللوحات، وهذا الدعم الوحيد والباقي ما هو إلّا جهود شخصيّة.

 

كيف تستقبل الجماهير في الوطن المحتلّ المعارض الفنّيّة؟

يوجد إقبال شديد على المعارض الفنّيّة، ولا سيّما في مدينة نابلس، حيث كان يؤمّ المعرض الأخير الّذي استمرّ عشرة أيّام، وحسب إحصائيّات البلديّة، نحو ثلاثة آلاف شخص.

إنّ المعارض الفنّيّة تشتغل على شكل ندوات سياسيّة، فيها أيّ نوع من المنشورات المسموح بها، الّتي يمكن الناس مناقشتها.

 


عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.